طوّر الكاتب والمستشار الأسري غاري تشابمان مفهوم لغات الحب الخمس. وفي كتابه الشهير لغات الحب الخمس: سرّ الحب الذي يدوم، يشرح كيف أن إحدى لغات الحب هي العطاء وتقبّل الهدايا.
ومن خلال خبرتي في السير مع الرب على مدى السنوات الماضية، أعتقد أنه لو أجاب الله على الاختبار الموجود في نهاية كتاب تشابمان، لكانت الهدايا من بين أعلى لغات الحب لديه، وربما كانت أعلاها. فمحبته لنا لا تُقاس. يخبرنا العدد المشهور في يوحنا ٣:١٦ أنه أحبّنا إلى الحدّ الذي أرسل فيه ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.
“وأما هبة الله فهي الحياة الأبدية بالمسيح يسوع ربنا.”
(رومية ٦:٢٣)
وكأي هدية، لا يمكن الاستمتاع بها ما لم تُستقبل أولاً. وكذلك الأمر مع يسوع؛ لكي ننال هبة الله المجانية ونفرح بها، يجب أولاً أن نقبله. فعندما نقبل يسوع، نحن لا نقبل فكرة أو عقيدة، بل نرحّب بشخص حيّ. لقد وصف نفسه قائلاً: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا ١٤:٦). أي أنه لا يرينا الطريق فحسب، بل هو الطريق ذاته. كل ما تتوق إليه قلوبنا من توجيه وحقّ وحياة نجده فيه وحده.
بداية الرحلة
لكن قبول المسيح هو البداية فقط. فعندما نقبله، ندعى أيضًا إلى اتباعه والسير في طريقه.
ومن الجدير بالذكر أن أتباع يسوع لم يُدعَوا مسيحيين في البداية. ففي أعمال الرسل ٩، كان شاول (الذي صار بولس لاحقًا) يصف المؤمنين بأنهم أولئك الذين “ينتمون إلى الطريق”. وبما أن يسوع هو الطريق، فاتباعه يعني الثقة في قيادته حتى عندما لا نفهمها بالعقل البشري، أو عندما تكون صعبة وتُخرجنا من مناطق راحتنا.
اتباع المسيح ليس دائمًا سهلًا، والمسيح لم يقل إنه سيكون كذلك. لكنه وعدنا قائلاً إن “نيره هين وحمله خفيف” (متى ١١:٢٨-٣٠). ومع ذلك، هذا لا يعني أنه لا يوجد نير ولا حمل.
“إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا. ومن لا يحمل صليبه ويأتِ ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا. ومن منكم وهو يريد أن يبني برجًا، لا يجلس أولًا ويحسب النفقة، هل عنده ما يلزم لإتمامه؟”
(لوقا ١٤:٢٦–٢٨)
حساب الكلفة
اتباع المسيح يتطلّب تضحية بالنفس. هذه الكلمات التي قالها يسوع للجمع صعبة الهضم، لكنها يجب أن تكون حجر أساس في مسيرتنا معه. ينبغي أن يكون شعار حياتنا اليومية: “يا رب، لا مشيئتي بل مشيئتك.”
كلمات يسوع هذه تذكّرنا بما قاله في لوقا ٩:٢٣:
“إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. فإن من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي فهذا يخلّصها.”
يسوع لم يطلب منا شيئًا لم يفعله هو أولاً. فباعتباره عطية الله المجانية لنا، أخذ مكاننا وحمل ما لم نقدر أن نحمله. ومن خلال ذبيحته على الصليب، أعطانا مثالًا حيًّا لما يعنيه أن ننكر أنفسنا ونحمل صليبنا.
في التأمل في الصلب، نرى أن ما احتمله يسوع كان مؤلمًا للغاية. لكنه كان يعلم أن ذلك هو سبب مجيئه. كان يعرف خطط الآب ومقاصده لحياته. وفي آلامه، صلّى وعبّر عن حزنه أمام الآب، لكنه في نهاية صلاته قال: “لتكن لا إرادتي بل إرادتك” (لوقا ٢٢:٤٢).
نحن أيضًا يجب أن نحيا بهذا الموقف يوميًا. يمكننا أن نأتي إلى الله بكل طلباتنا ومشاعرنا وأحلامنا وآلامنا، لكن في النهاية يجب أن تتردّد في قلوبنا كلمات يسوع ذاتها: “لتكن مشيئتك لا مشيئتي.”
ثِقل الصليب
عندما نحمل صليبنا ونتبع المسيح، لن تكون المسيرة دائمًا سهلة. وعندما نتأمل في ما احتمله يسوع في طريقه إلى الصليب، نرى تشابهًا مع مراحل من رحلتنا نحن.
كما سُخر من يسوع وهو في الطريق، وتعرّض للإهانة وهو على الصليب – “خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلّصها” (متى ٢٧:٤٢) – نحن أيضًا نواجه أصواتًا تسخر من إيماننا وتشّكك في قراراتنا أو في صلاح الله.
وأحيانًا، في لحظات الضعف، نجد أنفسنا مثل الواقفين عند الصليب، نطرح على الله أسئلة مليئة بالحيرة:
“ألا تستطيع يا رب أن تُبعد عني هذا الألم؟”
“ألا يمكنك أن ترفع عني هذا الصراع؟”
“لماذا لا تنزع هذه العادة من حياتي؟”
“أين عطاؤك الفائق للطبيعة؟”
هذه ليست سوى أمثلة من معاركي الشخصية. ففي الألم والمعاناة، نصل أحيانًا إلى النقطة التي نهمس فيها بالكلمات التي قالها يسوع نفسه: “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟”
القيامة آتية
أحبّ أن أعتقد أن صمت يسوع أمام المستهزئين كان لأنه كان يعلم ما ينتظره. كان قادرًا أن يخلّص نفسه من الصليب، لكنه كان يعلم أن القيامة قادمة. فأن ينجو من الصليب كان سيُدهش الناس، أما أن يقوم من الأموات؟ فذلك أعظم المعجزات.
قد تشعر وكأنك معلّق على صليبك، والجميع من حولك يراقبون ويهزّون رؤوسهم ويتهامسون ساخرين. لكن أريد أن أقول لك: الله لم ينتهِ بعد. فهو سيقودك عبر الأوقات الصعبة، منقّيًا إيمانك بالنار، لأنه يعلم ما هو قادم. بينما نركّز نحن على “موتنا على الصليب”، الله أعدّ لنا قيامة.
يقول الكتاب إن الله قادر أن يفعل “فوق كل شيء أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر” (أفسس ٣:٢٠). لكن لكي نصل إلى لحظة القيامة تلك، يجب أولاً أن نأخذ الخطوة الأولى، نحمل صليبنا ونُبقي أنظارنا مثبتة على يسوع.
تعرّف إلى سمعان القيرواني
ماذا نتعلّم من يسوع وسمعان القيرواني؟ (متى ٢٧:٣٢)
كان سمعان الرجل الذي أُجبر على حمل صليب يسوع. أتذكر المرة الأولى التي قرأت فيها عنه؛ كنت أمرّ بوقت عصيب، وشعرت أن الله يقول لي: “خذ الخطوة الأولى، وسأهتم أنا بالباقي.”
وهكذا يعمل الله دائمًا في حياتي وفي حياة كل تابع للمسيح أعرفه. عندما نأخذ الخطوة الأولى، يتدخل هو، ويرسل لنا “سَمعانات” ليساعدونا في الطريق.
ومع ذلك، حتى عندما حمل سمعان الصليب، كان لا بدّ من أن يموت يسوع عليه. لقد تألم، وضُرب، وبُصق عليه، وسُخر منه، ومات على الصليب. لكن ثِقل الصليب الجسدي رُفع عنه.
وبالمثل، عندما نتبع المسيح في خططه ومقاصده لحياتنا، رغم الألم والمعاناة، فإن الله يعيننا ويقوينا ويُكمل بنا المسير. لكنه لا يُعفينا من طاعتنا ودعوتنا.
“ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.”
(عبرانيين ١٢:٢)
احتمل يسوع الصليب لأجل الفرح الذي كان أمامه – فرح خلاصنا وإعادتنا إلى الآب. رأى ما وراء الألم إلى القيامة، وما وراء العار إلى المجد. وتلك الرجاء عينها هي لنا نحن أيضًا إن تبعناه.
الخاتمة
رحلة اتباع المسيح مجانية – فقد دُفع ثمنها بذبيحته – لكنها ليست رخيصة. إنها تكلفنا كل شيء، لكن في خسارة حياتنا من أجله، نجدها حقًا.
